يمكننا بسهولة تحويل قصة الدكتور عبد الله الخطيب إلى عمل درامي، أو ربما مسلسل يحتوى خليطا من الكوميديا والآكشن والمآسي معا، ولكن مشكلة ذلك المسلسل أنه ما زال مستمرا، فالرجل واحد من آباء العمل الخيري في الأردن، وهو مؤسس مركز الحسين للسرطان (الأمل سابقا)، وهو رئيس الاتحاد العام للجمعيات الخيرية في الأردن لدورات عديدة، إلا أن ذلك لم يمنع (بعض الجهات) من الانتقام منه، وتشويه سمعته على الملأ.
قابلته قبل ثلاث سنوات أثناء مسرحية "الفساد في الجمعيات الخيرية" التي كانت تعرض على مسرح محكمة الجنايات، وهي مسرحية من تأليف حكومتنا (الرشيدة) حيث تم كف يد الدكتور عبدالله ومجموعة من أنبل العاملين في العمل الخيري في الأردن بحجة الفساد المالي والإداري، واستطاع الدكتور إقناعي والحضور بالحجة والدليل ببطلان جميع التهم الموجهة إليه، وأكد أن حكم البراءة مسألة وقت، وبالفعل هذا ما كان.
ارتكبت الحكومة عشرات الأخطاء الإخراجية في قضية الدكتور عبدالله، ولكن أطرفها ما يتعلق بالدكتور عاصم غوشة، حيث تم كف يده بسبب اتهامه بالفساد في قضية الجمعيات الخيرية، وفي الوقت نفسه تم تعيينه كعضو في الهيئة الحكومية المؤقتة التي تشرف على جمعية المركز الإسلامي الخيرية، وهذه كانت واحدة من النكات التي يتندر بها المحامون والقضاة بسبب سوء الإخراج الحكومي.
من خلال متابعتي لقضية جمعية المركز الإسلامي وقضية الاتحاد العام للجمعيات الخيرية توصلت إلى قناعة بأن أي عمل خيري يستقطب ملايين الدنانير، ويؤثر على آلاف الأسر، لا يجوز أن يكون خارج قرار الحكومة بأي حال من الأحوال، لأن الحكومة هي (وليّ النعم) وترفض أن يشاركها أحد في هذا الموقع، وبالتالي فإن من يخرج عن هذا التوجه (العرفي) يكون مصيره إلى السجن والابعاد بقرارت عرفية (لا يعلم عنها وزير/ة التنمية الاجتماعية).
العمل الخيري التطوعي واحد من أساليب التعبير عن الحراك الاجتماعي وقوّة المجتمعات في موازاة العمل الحكومي، ومحاربة هذا العمل لأسباب واهية وكاذبة ومختلقة هو نوع من التدمير المبرمج للمجتمعات، ودليل دامغ على مستوى الفساد الإداري والمالي الذي وصلت إليه الإدارات الحكومية.
في الحلقة الجديدة (ونتمنى أن تكون الأخيرة) من مسلسل ملاحقة الدكتور عبدالله الخطيب تم توجيه تهمة مخجلة تفتقد إلى اللياقة، وتعكس إفلاسا حكوميا ينبئ عن مزيد من الفضائح القادمة، وليس آخرها المكافأة التي يحصل عليها مسؤول الهيئة الحكومية المعينة لإدارة اتحاد الجمعيات الخيرية، حيث بلغت 2000 ألفا دينار عدا ونقدا، في حين أن القانون لا يبيح لأعضاء الهيئة المنتخبة تقاضي أية أموال لقاء عملهم التطوعي..
من الأخطاء التي يرتكبها بعض المثقفين ابتعادهم عن العمل السياسي بحجة أنه (وجعة راس) وانهماكهم بالعمل الأكاديمي والتطوعي، ويكتشفون بعد حين أنها معركة واحدة لا يجوز تجزيئها، إنها معركة حقوق المواطنين في مواجهة تغوّل الحكومات، فالشعوب هي مصدر السلطة حسب الدستور، وقوّتها هي الرادع والضامن للجم الحكومات، ووقفها عند حدّها، وإلا ستبقى الأمور (طعّة وقايمة).
م.خالد حسنين